تشير تفاصيل المحاكمة إلى أن لجنة التجارة الفيدرالية تسعى إلى تفكيك هيكل ميتا الحالي، من خلال إجبارها على بيع كل من إنستاجرام وواتساب، بحجة أن عمليات الاستحواذ التي تمت في الأعوام الماضية كانت تهدف إلى تقويض المنافسة واحتكار السوق. وخلال جلسات المحاكمة، كشفت وثائق داخلية ورسائل بريد إلكتروني عن نوايا ميتا السابقة في استغلال نفوذها المالي والتقني لابتلاع المنافسين، أو تقليد خصائصهم ومنتجاتهم بهدف السيطرة على المستخدمين. هذه الوثائق قدمت صورة واضحة لاستراتيجية الشركة في مواجهة خصومها، وعلى رأسهم تيك توك وسناب شات، ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها ميتا حاليًا في ظل الرقابة التنظيمية المتزايدة.
من المثير للاهتمام أن زوكربيرج أشار خلال شهادته إلى التغيرات التي طرأت على آليات عرض أرقام المستخدمين داخل ميتا منذ عام 2017. ففي ظل المنافسة المتصاعدة، توقفت الشركة عن نشر أعداد مستخدمي فيسبوك بشكل منفصل، واعتمدت بدلًا من ذلك مقياس "عائلة التطبيقات"، الذي يدمج بيانات فيسبوك وإنستاجرام وواتساب معًا. هذا التغيير، بحسب محللين، لم يكن فقط لغرض التبسيط، بل كان محاولة لتضخيم الأرقام الكلية للمستخدمين والإيحاء باستقرار النمو، في الوقت الذي كانت فيه المنصات الفردية تشهد تراجعًا واضحًا أمام المنافسين الجدد، خصوصًا تيك توك الذي جذب شريحة الشباب بشكل كبير.
وبينما شددت لجنة التجارة الفيدرالية على محاولات ميتا إضعاف المنافسة، سلطت المحاكمة الضوء على محاولات سابقة للاستحواذ على تطبيقات مثل سناب شات، والتي رفضت عروض ميتا. وردًا على استفسار من محامي اللجنة، قال زوكربيرج إنه يعتقد أن الاستحواذ على سناب شات كان سيمنحها دفعة للنمو، لكنه لم يؤكد ذلك بشكل قاطع. وأظهرت المراسلات الداخلية أن ميتا كانت تبحث باستمرار عن طرق جديدة للتفوق على منافسيها، حتى وإن تطلب ذلك خطوات راديكالية، مثل اقتراح حذف قوائم الأصدقاء كاملة أو فصل إنستاجرام وتحويله إلى شركة مستقلة. هذه الأفكار، رغم غرابتها، تعكس مستوى القلق داخل الشركة من تراجع نفوذها في السوق.
وتأتي هذه القضية في وقت تشهد فيه كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم ضغوطًا تنظيمية متزايدة، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا. ويُنظر إلى محاكمة ميتا على أنها اختبار مهم لقدرة الهيئات التنظيمية على كبح جماح عمالقة التكنولوجيا، وفرض قواعد أكثر عدالة في سوق شديدة التنافسية. في الوقت ذاته، تواجه منصة تيك توك أيضًا تحديات قانونية وتنظيمية في الولايات المتحدة، تتعلق بأمن البيانات ومخاوف من التبعية للحكومة الصينية. هذا التقاطع بين المخاوف الأمنية والاحتكارية يُعقّد من المشهد الرقابي، ويضع الشركات بين مطرقة الابتكار وسندان القوانين الصارمة.
خلاصة
وفي ظل هذا التصعيد، يبدو أن ميتا ستضطر إلى إعادة النظر في الكثير من استراتيجياتها، ليس فقط لتفادي التفكك القانوني، بل أيضًا لاستعادة ثقة المستخدمين والجهات التنظيمية على حد سواء. كما ستُجبر على مواصلة تطوير تقنياتها والتركيز على الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لتعويض التراجع في خدماتها التقليدية. وبينما تراقب السوق عن كثب تطورات هذه القضية، يبقى الأكيد أن المستقبل الرقمي سيشهد إعادة تشكيل كبرى لقواعد اللعبة، ولن تكون ميتا بمنأى عن هذا التغيير الحتمي، خاصة إذا خسرت المعركة القانونية أمام لجنة التجارة الفيدرالية.