البيان الرسمي والموقف القانوني
أصدر تحالف الأخبار والإعلام (News/Media Alliance) بياناً رسمياً يطالب فيه وزارة العدل الأمريكية بالتدخل العاجل للحد من هيمنة شركة Google، وذلك على خلفية إطلاق ميزة "Google AI Mode" الجديدة. وصف التحالف هذه الميزة بأنها تشكل "استغلالاً غير عادل لمحتوى الناشرين" حيث تعيد استخدام المحتوى الإخباري والمقالات الصحفية دون الحصول على إذن مسبق أو تقديم تعويض عادل. وأشار البيان إلى أن هذه الممارسات تحرم المواقع الإخبارية والناشرين من الزيارات والأرباح المشروعة التي يعتمدون عليها في استمرارية عملهم. يأتي هذا التحرك في إطار تصاعد المخاوف من تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على صناعة الإعلام، حيث أصبحت المحتويات الصحفية تُستخدم كوقود لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي دون أي اعتبار لحقوق الملكية الفكرية.
تداعيات Google AI Mode على صناعة الإعلام
تشكل ميزة Google AI Mode تهديداً وجودياً للعديد من المؤسسات الإعلامية، حيث تقوم بتلخيص المحتوى الإخباري وعرضه مباشرة للمستخدمين دون الحاجة إلى زيارة المواقع الأصلية. وفقاً لدراسات أجراها التحالف، فإن هذه الممارسة قد تقلل من حركة الزيارات إلى المواقع الإخبارية بنسبة تصل إلى 40%، مما يؤثر مباشرة على إيرادات الإعلانات والاشتراكات التي تعتمد عليها هذه المؤسسات. كما أشار التحالف إلى أن Google تستفيد من المحتوى الذي أنفق الناشرون موارد كبيرة لإنتاجه، بينما تحصل هي على كامل الإيرادات الناتجة عن استخدام هذا المحتوى عبر أنظمتها الذكية. هذه الأزمة تذكرنا بجدل "Zero Click" السابق، لكن بدرجة أكثر خطورة حيث أصبح الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بعرض snippets من المحتوى بل يقوم بإعادة صياغته وتقديمه كخدمة متكاملة.
الحصانة الرقمية وغياب التشريعات
أكد تحالف الأخبار والإعلام على أن شركات التكنولوجيا الكبرى تعمل حالياً في ظل "حصانة رقمية" تسمح لها باستغلال المحتوى الإعلامي دون أي مساءلة قانونية حقيقية. يرجع هذا إلى أن القوانين الحالية مثل "الأمان الرقمي" (DMCA) لم تكن مصممة لتغطي حالات استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة. دعا التحالف إلى تحديث التشريعات لحماية حقوق الناشرين، وإلزام شركات التكنولوجيا بالتفاوض بشكل عادل مع المؤسسات الإعلامية حول استخدام محتواها. كما طالب بإنشاء إطار تنظيمي جديد يضمن تقاسم الإيرادات بشكل عادل، مشيراً إلى النموذج الأسترالي الذي أجبر Google وFacebook على الدفع للناشرين مقابل استخدام محتواهم.
ردود الفعل والتأثيرات المستقبلية
أثار بيان التحالف ردود فعل واسعة في الأوساط الإعلامية والتقنية، حيث بدأت العديد من المؤسسات الإخبارية الكبرى في دراسة إمكانية اتخاذ إجراءات قانونية فردية ضد Google. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة تصعيداً في هذا الصراع، خاصة مع تزايد اعتماد شركات التكنولوجيا على الذكاء الاصطناعي في تقديم المحتوى. يحذر خبراء من أن استمرار هذا النموذج دون تنظيم قد يؤدي إلى انهيار العديد من المؤسسات الإعلامية المستقلة، مما يهدد التنوع الإعلامي وجودة المحتوى المتاح للجمهور. في المقابل، تدعي Google أن ميزات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تهدف إلى "تحسين تجربة المستخدم" وتساعد في الواقع على توجيه الزيارات إلى المصادر الأصلية عند الحاجة لمزيد من التفاصيل.
خيارات الناشرين في مواجهة التحدي
في ظل غياب الحلول التشريعية الفورية، بدأ العديد من الناشرين في استكشاف خيارات تقنية وقانونية لحماية محتواهم. تشمل هذه الخيارات استخدام تقنيات منع الزحف (crawling) المتقدمة، وتعديل شروط الاستخدام لمنع إعادة استخدام المحتوى بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، واللجوء إلى التحالفات القضائية لرفع دعاوى جماعية. بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى بدأت في التفاوض مباشرة مع Google للحصول على اتفاقيات تعويض فردية. في الوقت نفسه، يدعو بعض الخبراء إلى تطوير نماذج أعمال جديدة تعتمد على الاشتراكات المغلقة أو المحتوى الممول مباشرة من القراء، لتقليل الاعتماد على إيرادات الإعلانات التي تتراجع بسبب هذه التغيرات التقنية.
المستقبل: صراع أم تعاون؟
يطرح هذا الصراع أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقة بين شركات التكنولوجيا الكبرى وصناع المحتوى التقليديين. بينما يرى البعض أن المواجهة القانونية هي الحل الوحيد، يدعو آخرون إلى إيجاد نموذج تعاوني جديد يضمن استمرارية صناعة الإعلام مع الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي. قد تشهد الفترة القادمة ظهور تحالفات إعلامية أقوى، ومبادرات تشريعية جديدة، وربما حتى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مملوكة للناشرين أنفسهم. في كل الأحوال، فإن نتيجة هذا الصراع ستحدد إلى حد كبير شكل المشهد الإعلامي الرقمي في السنوات القادمة، وما إذا كان بمقدور الصحافة المستقلة أن تنجو في عصر هيمنة الخوارزميات.