الجزيرة الصغيرة التي تتحكم في قلب التكنولوجيا العالمية
رغم صغر مساحتها الجغرافية ومحدودية مواردها الطبيعية، إلا أن تايوان أصبحت لاعبًا محوريًا في واحدة من أهم الصناعات في العالم: صناعة الرقائق الإلكترونية. هذه الشرائح الصغيرة، أو أشباه الموصلات، تشكل العمود الفقري لكل الأجهزة الإلكترونية الحديثة، من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية، إلى الحواسيب العملاقة والطائرات المقاتلة. وتايوان، بفضل استثمارات استراتيجية طويلة المدى وتفوق تكنولوجي هائل، تمسك اليوم بخيوط هذه الصناعة الحيوية.
تي إس إم سي تسجّل ارتفاعاً تاريخياً بالإيرادات مدفوعة بطفرة الذكاء الاصطناعي
أبرز ما يجعل تايوان في هذه المكانة هو وجود شركة "TSMC" – الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات – التي تُعد الأضخم عالميًا في مجال تصنيع الرقائق المتقدمة. هذه الشركة لا تصمم الرقائق فحسب، بل تُنفذ عمليات تصنيع معقدة بدقة نانومترية تفوق قدرات معظم الشركات العالمية. حتى عمالقة التكنولوجيا مثل آبل، وإنفيديا، وكوالكوم يعتمدون على خطوط إنتاج TSMC لتصنيع رقائقهم عالية الأداء، ما يجعل العالم حرفيًا يعتمد على تايوان لتسيير عملياته الرقمية.
التفوق التقني مقابل التوترات الجيوسياسية
تُنتج TSMC ما يزيد عن 60% من الرقائق المصنّعة عالميًا، وتسيطر على أكثر من 90% من إنتاج الرقائق المتقدمة (مثل 5 نانومتر وأقل). هذا يمنح تايوان قوة ناعمة هائلة، حيث لا تستطيع أي دولة – بما في ذلك الولايات المتحدة والصين – تجاهل أهمية وجودها في سلاسل التوريد العالمية. لكن في المقابل، هذا النفوذ يضع تايوان في بؤرة الصراعات الجيوسياسية، خاصة مع تصاعد التوترات بينها وبين الصين التي تعتبر الجزيرة جزءًا من أراضيها.
الولايات المتحدة، من جانبها، بدأت في اتخاذ خطوات لتقليل الاعتماد على تايوان، من خلال جذب TSMC لبناء مصانع داخل أراضيها، كما حدث في ولاية أريزونا. الصين أيضًا تضخ استثمارات ضخمة لتطوير صناعتها المحلية، لكنها لا تزال بعيدة عن اللحاق بتايوان تقنيًا، خاصة في المجالات المتقدمة التي تتطلب عقودًا من الخبرة والمعرفة التراكمية.
خلاصة القول
بفضل الابتكار، والاستثمار في التعليم والبحث العلمي، والبنية التحتية التكنولوجية الدقيقة، تمكنت تايوان من احتلال مركز لا غنى عنه في الاقتصاد الرقمي العالمي. ومن المتوقع أن تستمر في قيادة سوق الرقائق الإلكترونية لعقد على الأقل، إلا إذا نجحت دول أخرى في سد الفجوة – وهو احتمال لا يزال بعيدًا حتى الآن.
