في خطوة تعكس التحولات المتسارعة في عالم التكنولوجيا، أعلنت شركة تي إس إم سي (TSMC)، عملاق تصنيع الرقائق الإلكترونية التايواني، عن زيادة قياسية بنسبة 40% في إيراداتها خلال النصف الأول من عام 2025، لتصل إلى 1.77 تريليون دولار تايواني (ما يعادل نحو 60.8 مليار دولار أمريكي). ويأتي هذا النمو الاستثنائي مدفوعاً بالطلب القوي والمستمر على تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح محركاً أساسياً للاقتصاد الرقمي العالمي.
قوة TSMC في قلب التكنولوجيا العالمية
تُعد TSMC الشركة الأضخم في العالم لتصنيع أشباه الموصلات، وتُعتبر اليوم العمود الفقري لصناعات متنوعة تمتد من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية إلى الصواريخ والأقمار الصناعية. وبفضل شراكاتها مع كبرى شركات التكنولوجيا مثل إنفيديا (NVIDIA) وآبل (Apple)، تواصل الشركة التايوانية تعزيز مكانتها كقوة لا غنى عنها في السوق العالمي.
صرّح رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي سي سي وي (C.C. Wei)، في مؤتمر صحفي حديث، أن الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي سيظل "قويًا جدًا" خلال الفصول المقبلة، وهو ما يدفع الشركة إلى التوقع بتحقيق أرباح قياسية مع نهاية هذا العام.
استحواذ ميتا على شركة مصرية ناشئة يحدث تحوّلاً في سباق الذكاء الاصطناعي الصوتي
الذكاء الاصطناعي يشعل سباق الرقائق
يمثل الذكاء الاصطناعي حجر الأساس في نمو TSMC، حيث تتسابق الشركات العالمية لاعتماد تقنيات أكثر تقدمًا تعتمد بشكل مكثف على الرقائق عالية الأداء. وتشير مؤشرات الأسواق إلى أن الجيل الجديد من المعالجات، خصوصًا تلك المصممة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، يُحدث تحولًا جوهريًا في سلاسل التوريد والاستثمار.
مع توسّع تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى قطاعات الصحة، والتعليم، والصناعة، والروبوتات، وحتى الأنظمة الدفاعية، أصبحت الرقائق التي تنتجها TSMC ذات قيمة استراتيجية غير مسبوقة.
أسرع طرق لمعرفة نوع وجيل المعالج في جهاز الكمبيوتر
تحديات الرسوم الجمركية والحرب التجارية
على الرغم من الأداء المذهل، لم تخلُ البيئة الاقتصادية من التحديات. فقد أشار "وي" إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية المحتملة قد تؤثر على أعمال الشركة، لا سيما إذا ما أدّت إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الطلب على الرقائق.
وتأتي هذه التصريحات في ظل تصعيد جديد من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي وجّه تحذيرات لأكثر من 20 دولة، من بينها تايوان، بشأن إمكانية فرض رسوم جمركية "متبادلة" اعتباراً من 1 أغسطس المقبل.
ورغم أن حكومة تايوان أكدت عدم تلقيها خطاباً رسمياً من الولايات المتحدة بشأن هذه الإجراءات حتى الآن، فإنها تخوض مفاوضات نشطة في واشنطن، وتحاول تجنب العقوبات التجارية من خلال تعهدات بزيادة الاستثمار في الأراضي الأميركية، ورفع مشتريات الطاقة والدفاع.
توسع دولي لتعزيز الاستقرار
رداً على التوترات الجيوسياسية، تسعى TSMC إلى تنويع عملياتها الدولية. فقد أعلنت مؤخرًا عن نيتها افتتاح مركز تصميم جديد في ميونخ، ألمانيا، بالإضافة إلى توسعات قائمة في الولايات المتحدة واليابان. هذا التوسع يُنظر إليه على أنه محاولة استراتيجية لتقليل الاعتماد على تايوان كمركز تصنيع رئيسي، تحسبًا لأي اضطرابات سياسية أو عسكرية مستقبلية.
الأسواق تكافئ الأداء.. ونمو غير مسبوق شهرياً
شهدت مبيعات TSMC ارتفاعًا حادًا في الأشهر الأخيرة، حيث سجّلت الشركة إيرادات شهرية بلغت 11.6 مليار دولار في أحد الشهور، بزيادة 48% مقارنة بالعام السابق. هذه الأرقام تعكس مدى استعداد السوق العالمي لدفع المزيد مقابل الشرائح المتقدمة، لا سيما في ظل التنافس الشرس بين عمالقة التكنولوجيا مثل إنفيديا، وأمازون، وغوغل، ومايكروسوفت.
مستقبل مستدام.. وأرباح تصنع التاريخ
يرى المحللون أن تي إس إم سي ليست مجرد شركة تكنولوجيا ناجحة، بل أصبحت رمزاً للتوازن بين التفوق الصناعي والتحولات الجيوسياسية. وبينما تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين حول السيطرة على تكنولوجيا الرقائق، تثبت TSMC أنها قادرة على المناورة في بيئة متقلبة، وتحقيق نمو مستدام رغم كل المعوقات.
وفي الوقت الذي تستعد فيه دول كثيرة لدخول سباق أشباه الموصلات، فإن TSMC لا تزال في موقع القيادة، مدفوعة بقدرتها الفائقة على الابتكار، وارتباطها الوثيق بأكبر القوى الاقتصادية في العالم، وتنامي الطلب العالمي على الذكاء الاصطناعي.
شركة TSMC تقف اليوم على قمة صناعة الرقائق العالمية، مستفيدة من ثورة الذكاء الاصطناعي واحتياجات الأسواق الرقمية المتنامية. وبينما تواصل نموها رغم التحديات الجيوسياسية، فإن مستقبلها يبدو مشرقًا أكثر من أي وقت مضى.