تواصل شركة جوجل دفع حدود الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وهذه المرة عبر ميزة جديدة تمثل نقلة نوعية في طريقة استهلاك المحتوى الإخباري. فقد بدأت الشركة في طرح ميزة "تلخيص الأخبار باستخدام الذكاء الاصطناعي" ضمن صفحة "اكتشف" (Google Discover) على تطبيق Google Search، مما يتيح للمستخدمين قراءة ملخصات فورية عن الأخبار بدلاً من العناوين التقليدية. تأتي هذه الخطوة في ظل تسارع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وتزايد الاعتماد على الحلول الذكية في تسهيل الوصول إلى المعلومات.
اقرأ... استحواذ ميتا على شركة مصرية ناشئة يحدث تحوّلاً في سباق الذكاء الاصطناعي الصوتي
آلية عمل الميزة الجديدة
الميزة الجديدة، التي ظهرت لدى بعض مستخدمي أجهزة iOS وأندرويد، تُقدّم ملخصات إخبارية موجزة مكوّنة من ثلاث جُمل رئيسية، وتُرفق بتحذير بأن النص "ناتج عن الذكاء الاصطناعي وقد يتضمن أخطاءً". يُمكن للمستخدمين النقر على خيار “عرض المزيد” لقراءة ملخص أطول، أو التوجه إلى قائمة المصادر الأصلية من خلال نافذة بعنوان "المزيد".
الملخصات تظهر على شكل بطاقات تحتوي على رموز متعددة المصادر، في إشارة إلى عدد المواقع التي استند إليها التلخيص. وتُشبه هذه الميزة إلى حد كبير وظيفة "مطالعات الذكاء الاصطناعي (AI Overviews)" التي أطلقتها جوجل سابقًا في نتائج البحث، لكنها تركز في هذه الحالة على الأخبار الرائجة داخل واجهة Discover.
اقرأ ... هل فقدنا السيطرة على ما نُشاركه؟
تأثير مباشر على تجربة المستخدم
تعمل هذه الميزة على تسهيل اتخاذ القرار بالنسبة للمستخدم، حيث تساعده في تحديد ما إذا كان يرغب في قراءة مقال معين أو تجاوزه. من خلال عرض مضمون الخبر بشكل مختصر وسريع، توفر جوجل وقتًا وجهدًا للمستخدمين، خاصة في المواضيع التي تتعلق بالرياضة، الترفيه، وأخبار المشاهير، وهي الفئات التي تستهدفها الميزة حاليًا.
يُعد هذا جزءًا من فلسفة جوجل الجديدة التي تهدف إلى تحويل محرك البحث من مجرد أداة للعثور على الروابط إلى منصة للإجابة الفورية الذكية. ومع تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يبدو أن المستقبل يميل أكثر نحو "المعرفة المباشرة" دون حاجة لزيارة الروابط الأصلية في كثير من الأحيان.
قلق متزايد بين الناشرين وأصحاب المواقع
رغم الفوائد التي توفرها هذه الميزة للمستخدم، إلا أن الناشرين الرقميين عبّروا عن مخاوف واضحة من هذا التوجه. فمع اختصار المحتوى وتحويله إلى ملخصات فورية، قد تتراجع حركة الزيارات إلى المواقع الإلكترونية الإخبارية، مما يؤثر سلبًا على عوائد الإعلانات الرقمية ويُضعف اقتصاديات المحتوى المعتمد على النقرات.
بعض النقاد يعتبرون أن هذه الخطوة تعزز من هيمنة جوجل على تدفق المعلومات عبر الإنترنت، إذ إنها تقلل من دور منصات النشر الأصلية في تقديم الأخبار، ما يضعف تنوع الآراء ويفرض نموذجًا مركزيًا للمعلومة. ويُخشى أن يؤدي ذلك إلى احتكار سرد الأحداث وتوجيه الرأي العام عبر خوارزميات جوجل.
توازن دقيق بين الابتكار والمسؤولية
تحاول جوجل الحفاظ على توازن دقيق بين تقديم تجربة مستخدم محسّنة عبر الذكاء الاصطناعي، وبين عدم المساس بحقوق الناشرين. وقد أضافت الشركة تحذيرات واضحة تشير إلى احتمالية وجود أخطاء في المحتوى الذي يُنشئه الذكاء الاصطناعي، كما أتاحت الوصول إلى المقالات الأصلية بسهولة عبر واجهة “المزيد”.
لكنّ هذه الإجراءات، بحسب خبراء الإعلام الرقمي، قد لا تكون كافية إذا استمر المستخدم في الاعتماد على التلخيص السريع دون التفاعل مع المصدر. وهو ما يُحتّم على جوجل مستقبلاً تقديم نموذج أكثر شمولاً لتقاسم الإيرادات أو عرض المحتوى بما يضمن عدالة الفرص للناشرين.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة الرقمية
هذه الميزة ليست سوى حلقة في سلسلة متسارعة من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تطورها جوجل. ومع دخول المنافسين مثل مايكروسوفت وOpenAI إلى مجال المحتوى الفوري، يبدو أن الصحافة الرقمية تدخل مرحلة جديدة بالكامل، حيث تصبح الخوارزميات قادرة على تلخيص، تحليل، بل وحتى تفسير الأخبار بشكل فوري.
يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على النزاهة التحريرية والدقة الإخبارية، إذ إن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يُنتج ملخصات غير دقيقة أو مضللة، خصوصًا عند التعامل مع الأحداث السياسية أو الأزمات العالمية.
تمثل ميزة تلخيص الأخبار بالذكاء الاصطناعي من جوجل خطوة متقدمة في سباق تسهيل الوصول إلى المعلومة، لكنّها تفتح أيضًا أبوابًا واسعة للنقاش حول حقوق النشر، مصداقية المحتوى، ودور الذكاء الاصطناعي في تشكيل الوعي العام. وبينما يحتفي المستخدمون بالراحة والسرعة، تبقى التحديات الأخلاقية والتقنية قائمة، في انتظار حلول تضمن توازنًا عادلًا بين التكنولوجيا وحقوق صنّاع المحتوى.