هل تويتر وترينداته حرة فعلًا أم أن النفوذ قادر على إسكات الأصوات؟


تويتر، أو ما يُعرف اليوم بمنصة "X" بعد استحواذ إيلون ماسك، لطالما كان يُعتبر رمزًا لحرية التعبير في الفضاء الرقمي. المنصة مكّنت ملايين الأشخاص من التعبير عن آرائهم ومشاركة أفكارهم حول العالم دون وساطة، مما جعلها منصة محورية في العديد من التحولات الاجتماعية والسياسية. لكن مع مرور الوقت، بدأت الشكوك تتزايد بشأن مدى حرية هذه المنصة فعليًا. هل كل ما يتصدر الترندات فعلًا هو ما يريده الجمهور؟ أم أن هناك من يستطيع، بالمال أو النفوذ، أن يرفع أو يخفض صوت قضية ما بحسب مصالحه؟

الخوارزميات التي تدير الترندات ليست بسيطة كما يظن البعض. فالموضوع لا يتعلق فقط بعدد التغريدات أو الهاشتاغات المتداولة. تويتر يعتمد على منظومة معقدة تشمل الموقع الجغرافي للمستخدمين، توقيت النشر، نوع المحتوى، وحتى درجة "حساسيته" من الناحية السياسية أو المجتمعية. لذلك، قد ترى قضية تكتسح الشارع وتغص بها نقاشات الناس، ومع ذلك لا تظهر على الترند. وفي المقابل، قد تظهر ترندات مفاجئة لا علاقة لها بالحدث أو المزاج العام، مما يثير الشك في ما إذا كانت الخوارزميات تُستخدم لأغراض غير معلنة.

لماذا لا تطلق سامسونغ هاتفًا بنظام تشغيل خاص بها؟

الأمر لا يتوقف عند الخوارزميات، فهناك جانب سياسي بالغ التأثير. العديد من الحكومات حول العالم تمارس ضغوطًا على تويتر لحذف تغريدات أو إسكات حسابات معارضة، تحت ذرائع الأمن القومي أو منع خطاب الكراهية. وقد استجابت المنصة مرارًا لمثل هذه الطلبات. في الهند، على سبيل المثال، تم حظر حسابات تنتقد سياسات الحكومة، وفي تركيا مُنع تداول بعض الهاشتاغات خلال أوقات الانتخابات. أما في المنطقة العربية، فقد اختفت بعض الترندات السياسية فجأة، رغم زخمها وتفاعل الناس معها، دون أي تفسير شفاف من الشركة.

لماذا تُصنع معظم الإلكترونيات في الصين؟

القوة المالية أيضًا لها تأثيرها غير المباشر. المنصات الرقمية تعتمد في دخلها على الإعلانات، والشركات الكبرى التي تمول هذه الإعلانات قد تُمارس نفوذًا لتوجيه المحتوى أو على الأقل لحماية مصالحها. وقد لا يكون من الضروري التدخل المباشر، فالعلاقة التفضيلية أو التمويل الكبير يكفيان أحيانًا لتشكيل سياسة "ناعمة" تُراعي رغبات هؤلاء الممولين، حتى وإن كان ذلك على حساب أصوات معارضة أو قضايا جدلية.

إضافة إلى ذلك، تمارس تويتر نوعًا من الرقابة الذاتية، لا خوفًا من الحكومات فقط، بل رغبةً في حماية سمعتها ومنع أزمات العلاقات العامة. ولهذا، قد تحظر المنصة بعض الترندات أو تحذف تغريدات بحجة انتهاك القواعد، حتى وإن لم تكن تحريضية أو مخالفة صريحة. ويبدو هذا أكثر وضوحًا عندما يتعلق الأمر بقضايا سياسية شائكة أو أسماء مثيرة للجدل، حيث تفضل المنصة الصمت أو الحذف دون تفسير دقيق.

رغم تعهد إيلون ماسك بتحقيق حرية التعبير الكاملة على المنصة، إلا أن الواقع أثبت أن "الحرية الرقمية" لا تزال نسبية. ربما لم تعد الشركة تخضع للقواعد التقليدية للإعلام الأميركي كما كانت في الماضي، لكنها ما زالت خاضعة لعوامل ضغط أخرى: الاعتبارات التجارية، السياسات المحلية والدولية، وحتى الحسابات الشخصية لصاحب المنصة نفسه. كل هذا يجعل من الصعب الحديث عن حرية حقيقية في الفضاء الرقمي.

وهنا يُطرح السؤال الطبيعي: هل هناك بدائل؟ الجواب معقد. المنصات الأخرى، مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، تعاني هي الأخرى من نفس الإشكاليات وربما بدرجة أكبر، أما المنصات اللامركزية مثل Mastodon فهي ما تزال في طور النمو ولا تملك الزخم الجماهيري الكافي. وبالتالي، فإن حرية التعبير الرقمية اليوم أصبحت معركة مستمرة، تتأرجح بين قدرات المستخدم، ورغبات الشركات، وضغوط الجهات الفاعلة في السياسة والمال.

من أجل تحقيق مساحة رقمية عادلة، نحتاج إلى مزيد من الشفافية من جانب الشركات حول طريقة عمل خوارزمياتها، ومن حق المستخدمين أن يعرفوا لماذا تُعرض عليهم ترندات بعينها، ولماذا تُخفى أخرى. كما يجب أن يكون هناك نوع من المساءلة حول حذف المحتوى، خاصة عندما لا يخرق أي قوانين حقيقية، وإنما يتعارض فقط مع "الخط العام" للمنصة أو مصالح بعض الجهات النافذة.

في النهاية، قد تكون التكنولوجيا قد فتحت الباب أمام الجميع ليقولوا كلمتهم، لكن من يملك المنصة ما زال قادرًا على تحديد من يُسمع صوته، ومن يُلقى به في الظل. الحرية الرقمية ليست تلقائية، بل تحتاج إلى وعي ومطالبة مستمرة بالشفافية والعدالة من كل من يستخدم هذه المساحات للتعبير أو للتأثير.

تعليقات

مشاركة مميزة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

كتبه فريق التحرير في
معلومة ديجيتال

نحن نعمل على تقديم محتوى تقني موثوق، شامل، ومحدث دائمًا لمساعدتك على فهم التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها اليومية.

تابعنا لمزيد من الشروحات والمقالات الحصرية:
tech.ma3looma.online

تابع صفحاتنا الرسمية:
فيسبوك | تويتر | تيليغرام | يوتيوب