ماذا تعرف "غوغل" عنّا؟ رحلة عملاق البحث من محرك إلى إمبراطورية بيانات



بدأت شركة "غوغل" رحلتها المتواضعة عام 1998 كمحرك بحث بسيط على الإنترنت يهدف إلى تنظيم المعلومات وإتاحتها للجميع. لكن بعد ربع قرن تقريبًا، لم تعد غوغل مجرد أداة للبحث، بل تحولت إلى واحدة من أكبر وأقوى شركات التكنولوجيا في العالم، تحت مظلة الشركة الأم "ألفابيت" (Alphabet). تمتد خدماتها اليوم لتغطي تقريبًا كل جانب من جوانب حياتنا الرقمية: محرك البحث، يوتيوب، بريد جيميل، متصفح كروم، نظام أندرويد، خرائط غوغل، التخزين السحابي (Google Drive)، المساعد الشخصي، وأحدث تقنياتها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل "جيميناي".

"المصرية للاتصالات" تقترب من بيع حصص في مركزي بيانات بقيمة 240 مليون دولار

لكن هذا التوسع الهائل في الخدمات يجعلنا نتساءل: ما حجم البيانات التي تجمعها غوغل عنا؟ وماذا تفعل بها؟ وهل يمكن للمستخدم التحكم بها أو الاطلاع عليها؟

أنواع البيانات التي تجمعها غوغل

بحكم سيطرتها على عدة منصات أساسية يستخدمها أكثر من 3 مليارات شخص يوميًا، أصبحت غوغل قادرة على جمع كمٍّ هائل من المعلومات. ويمكن تصنيف هذه البيانات إلى 3 فئات رئيسية:

  1. بيانات مرتبطة بالخدمات مباشرة
    وتشمل كل ما يقوم به المستخدم عبر خدمات غوغل المختلفة. فعند استخدام محرك البحث، يتم تسجيل الكلمات المفتاحية التي تكتبها، الصفحات التي تزورها، والروابط التي تنقر عليها. وبالمثل، يتم تتبع الفيديوهات التي تشاهدها على "يوتيوب"، والرسائل التي ترسلها أو تتلقاها في "جيميل" (مع ملاحظة أن غوغل تدّعي عدم قراءة محتوى الرسائل مباشرة حفاظًا على الخصوصية، لكنها تقوم بتحليل بيانات ميتا مثل عنوان المرسل والجهات المستقبلة).

  2. بيانات شخصية
    عندما تنشئ حسابًا على "غوغل"، فإنك تقدم طواعية مجموعة من البيانات: اسمك، بريدك الإلكتروني، رقم الهاتف، موقعك، بيانات الدفع، اللغة المفضلة، وحتى تاريخ ميلادك. هذه المعلومات تساعد الشركة في تقديم تجربة مخصصة، لكنها أيضًا تجعل ملفك الشخصي غنيًا بالمعلومات القابلة للاستهداف الإعلاني.

  3. بيانات تتخطى الخدمات
    هذا النوع يعتبر الأكثر إثارة للجدل. فهو يشمل البيانات التي تجمعها غوغل من خلال نظام أندرويد المثبت على مليارات الهواتف حول العالم. أندرويد ليس مجرد نظام تشغيل، بل أداة لجمع البيانات عن مواقعك الجغرافية، التطبيقات التي تستخدمها، المكالمات والرسائل، وأحيانًا الصوت الذي تلتقطه الميكروفونات عبر المساعد الشخصي. حتى متصفح "كروم" يتعقب سجل التصفح، المواقع المفضلة، والنشاط على الإنترنت إذا لم يتم تفعيل وضع "التصفح الخفي".

كيف تجمع غوغل هذه البيانات؟

غوغل تعتمد على شبكة متداخلة من أدواتها وبرمجياتها. على سبيل المثال:

  • متصفح كروم يسجل نشاطك على الإنترنت ويشارك هذه المعلومات مع أنظمة الإعلانات.
  • يوتيوب يحدد اهتماماتك بناءً على الفيديوهات التي تشاهدها، ليقترح محتوى مشابه ويعرض إعلانات ذات صلة.
  • خرائط غوغل تراقب تنقلاتك ومواقعك بشكل لحظي، حتى لو لم تستخدم التطبيق بشكل نشط، خاصة إذا كانت خاصية "تتبع الموقع" مفعلة.
  • أندرويد يتيح للشركة معرفة التطبيقات التي تفتحها، مدة استخدامك لها، والإشعارات التي تتفاعل معها.
  • خدمات تسجيل الدخول (Sign in with Google) تمكّن غوغل من معرفة المواقع الخارجية التي تسجل دخولك إليها.

أما الذكاء الاصطناعي "جيميناي" (Gemini)، فيضيف طبقة جديدة من تحليل البيانات من خلال التفاعل مع المستخدمين عبر النصوص والأوامر الصوتية، ما يمنح الشركة نظرة أعمق على اهتماماتهم ونواياهم.

هل يمكننا الاطلاع على بياناتنا؟

رغم الانتقادات الواسعة لسياسات الخصوصية، توفر غوغل واجهة رسمية لمراجعة البيانات التي تجمعها عنك. عبر صفحة "حسابي" (My Account) ثم تبويب "البيانات والخصوصية"، يمكن للمستخدم الاطلاع على الأنشطة التي تم تسجيلها:

  • سجل البحث.
  • مواقع الخرائط.
  • مقاطع الفيديو التي تم مشاهدتها على يوتيوب.
  • الأجهزة التي تم تسجيل الدخول منها.

تتيح الشركة أيضًا تحميل نسخة من بياناتك (Takeout) وهي خدمة تعطيك نسخة أرشيفية من كل الأنشطة المسجلة منذ بداية استخدامك لحساب غوغل. كذلك، يمكن حذف بيانات محددة أو تفعيل خيار "الحذف التلقائي" بعد فترة زمنية معينة (مثل 3 أشهر أو 18 شهرًا).

لماذا تجمع غوغل هذه البيانات؟

الإجابة ببساطة: الإعلانات هي قلب نموذج عمل غوغل.
كلما زاد حجم البيانات التي تمتلكها الشركة عنك، أصبحت قادرة على عرض إعلانات أكثر دقة، وهو ما يعزز فرص الشراء وبالتالي زيادة أرباح المعلنين. تشير تقارير إلى أن أكثر من 80% من أرباح غوغل السنوية تأتي من الإعلانات.

على سبيل المثال، إذا كنت تبحث عن "هواتف ذكية رخيصة" في محرك البحث، ستلاحظ أن إعلانات الهواتف ستظهر لك في يوتيوب، وفي بريدك، وحتى في التطبيقات التي تستخدم حساب غوغل للدخول إليها. هذا التكامل بين الخدمات يجعل من "شبكة إعلانات غوغل" الأقوى عالميًا.

الانتقادات والدعاوى القضائية

الهيمنة الإعلانية لغوغل جلبت لها مشاكل قانونية ضخمة. فقد رفعت الحكومة الأمريكية وأوروبا دعاوى لمكافحة الاحتكار ضد الشركة، بحجة أنها تمنع المنافسين من دخول السوق، وتحتكر حركة البحث والإعلانات الرقمية.

كما أن دعاوى الخصوصية لم تتوقف، خاصة بعد فضائح مثل تتبع المواقع حتى بعد إيقاف خاصية "Location History"، أو مزاعم "التجسس الصوتي" عبر المساعدات الذكية. هناك أيضًا دعوات لفصل خدمات غوغل إلى شركات أصغر لتقليل هيمنتها، على غرار ما حدث مع شركات الاتصالات العملاقة في القرن الماضي.

كيف تحمي نفسك؟

رغم أن السيطرة الكاملة على بياناتك شبه مستحيلة إذا كنت تستخدم أندرويد وخدمات غوغل بشكل أساسي، إلا أن هناك خطوات تقلل من كمية البيانات المجمعة:

  • إيقاف تتبع الموقع عبر الإعدادات.
  • تفعيل خاصية الحذف التلقائي للنشاطات.
  • استخدام متصفحات بديلة مثل Firefox أو Brave.
  • تثبيت إضافات منع التتبع مثل uBlock أو Privacy Badger.
  • الاعتماد على محركات بحث خصوصية مثل DuckDuckGo.

غوغل.. قوة تكنولوجية أم تهديد للخصوصية؟

ما بين كونها شريكًا رقميًا لا يمكن الاستغناء عنه و"وحش بيانات" يلاحق كل حركة على الإنترنت، تبقى غوغل أحد أهم التحديات التي يواجهها العالم في عصر الذكاء الاصطناعي.

فمن جهة، تقدم الشركة خدمات مجانية عالية الجودة غيرت طريقة تواصل البشر، ومن جهة أخرى، تعتمد على استغلال بياناتنا لتوليد مليارات الدولارات سنويًا.

هل يمكن للمستخدم العادي أن يوازن بين الاستفادة من خدمات غوغل وحماية خصوصيته؟ أم أن التنازل عن البيانات أصبح الثمن الطبيعي للعيش في العصر الرقمي؟

تعليقات

مشاركة مميزة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

كتبه فريق التحرير في
معلومة ديجيتال

نحن نعمل على تقديم محتوى تقني موثوق، شامل، ومحدث دائمًا لمساعدتك على فهم التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها اليومية.

تابعنا لمزيد من الشروحات والمقالات الحصرية:
tech.ma3looma.online

تابع صفحاتنا الرسمية:
فيسبوك | تويتر | تيليغرام | يوتيوب