عادت شركة "هواوي" الصينية إلى صدارة سوق الهواتف الذكية في الصين، في تطور لافت يعكس قدرتها على التكيف والتعافي رغم العقوبات الصارمة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية. وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة الأبحاث الأميركية "آي دي سي"، تمكنت هواوي من شحن 12.5 مليون هاتف ذكي في الصين خلال الربع الثاني من عام 2025، متجاوزة بذلك جميع منافسيها المحليين والعالميين، بما فيهم "أبل" و"شاومي".
ميتافيرس يعود بقوة.. هل نحن على أعتاب الإنترنت 4.0؟
انتعاش بعد سنوات من الضغوط
نجحت هواوي في استعادة جزء كبير من حصتها السوقية بعد أن تراجعت بشكل حاد نتيجة العقوبات الأميركية التي بدأت منذ عام 2019، والتي منعتها من استخدام تقنيات رئيسية مثل خدمات "غوغل" أو شرائح معالجة متقدمة من شركات أميركية. إلا أن الشركة الصينية استثمرت بشكل مكثف في تطوير تقنياتها الخاصة، وأطلقت هواتف تعتمد على معالجات ومكونات من إنتاجها المحلي، مما مكّنها من العودة بقوة إلى سوقها الرئيسي.
وبحسب "آي دي سي"، بلغت حصة هواوي من سوق الهواتف الذكية في الصين 18.1%، متقدمة على منافسين كبار مثل "شاومي" و"فيفو" و"أوبو"، بينما تراجعت "أبل" إلى المركز الخامس بنسبة 13.9% فقط، وهو تراجع لافت لشركة كانت قبل عام واحد فقط تتصدر السوق الصينية.
اقرأ. آبل تُسرب تفاصيل iPhone 17... شحن لاسلكي عن بُعد وبدون منافذ!
أبل في موقف صعب
التراجع الذي تشهده "أبل" في السوق الصينية يتزامن مع انخفاض الطلب على أجهزة "آيفون"، بالإضافة إلى تنامي تفضيل المستهلكين المحليين للعلامات التجارية الصينية التي تقدم مواصفات تقنية متقدمة بأسعار تنافسية. وتعاني "أبل" أيضاً من ضغوط جيوسياسية واقتصادية متصاعدة في الصين، فضلاً عن حملات إعلامية غير مباشرة تدفع المستخدمين نحو دعم المنتجات المحلية.
وتزامن هذا التراجع مع إطلاق هواوي لهاتف جديد قابل للطي من فئة "ثلاثي الطي"، في خطوة تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم، ما أضاف إلى ميزتها التنافسية أمام أبل التي لم تدخل حتى الآن مجال الهواتف القابلة للطي.
سامسونغ تتحدى الجميع.. Galaxy Z Fold 6 يصل بمفاجآت غير متوقعة!
السوق الصينية تتقلص لكن المنافسة تشتد
ورغم هذا الأداء القوي من هواوي، فإن السوق الصينية للهواتف الذكية سجلت انكماشاً بنسبة 4% على أساس سنوي، ليبلغ إجمالي عدد الأجهزة المباعة نحو 69 مليون وحدة. يشير هذا التراجع إلى استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في ظل توترات تجارية متجددة مع الولايات المتحدة وتراجع ثقة المستهلكين.
ووفقاً لتحليل "آي دي سي"، فإن السوق لا تزال بعيدة عن التعافي الكامل، على الرغم من النمو الاقتصادي الصيني الذي بلغ 5.2% خلال الربع الثاني من العام. ويبدو أن المستهلكين أصبحوا أكثر حذراً في إنفاقهم، ويميلون إلى تأجيل قرارات شراء الأجهزة الجديدة.
مستقبل غامض لكنه واعد لهواوي
إن عودة هواوي إلى صدارة السوق في الصين لا تعني بالضرورة أنها استعادت موقعها العالمي، لكنها تعكس نجاحاً استراتيجياً في بيئة محلية شديدة التنافسية، وأظهرت قدرتها على تجاوز العقوبات الأميركية بابتكار حلول داخلية، سواء من ناحية العتاد أو البرمجيات. وقد شمل ذلك تطوير معالجات محلية، واستخدام نظام التشغيل البديل "هارموني أو إس" بدلاً من "أندرويد".
كما يشير محللون إلى أن عودة هواوي القوية تعزز طموحات الصين في تحقيق "الاستقلال التكنولوجي"، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الغربية على الشركات الصينية الكبرى، وتستمر الولايات المتحدة في فرض قيود على تصدير تقنيات متقدمة إلى بكين، خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
تحول في توازنات السوق العالمية
عودة هواوي إلى الصدارة الصينية سيكون لها على الأرجح تأثير مباشر في معادلات السوق العالمية للهواتف الذكية، وقد يشجع المزيد من الدول على التعامل مع المنتجات الصينية، خاصة في الأسواق النامية. وإذا ما تمكنت هواوي من تجاوز العقبات التقنية المتعلقة بسلاسل التوريد والرقائق، فإنها قد تستعيد مكانتها ضمن أكبر ثلاثة مصنعين للهواتف الذكية على مستوى العالم.
من ناحية أخرى، تواجه شركات مثل أبل وسامسونغ ضغوطاً متزايدة من المنافسين الصينيين الذين يقدمون هواتف ذكية بتقنيات متقدمة، مع شاشات قابلة للطي وكاميرات عالية الدقة وبطاريات طويلة العمر، وكل ذلك بأسعار أقل نسبياً من نظيراتها الغربية.
إن تصدر هواوي لسوق الهواتف الذكية في الصين يمثل تحوّلاً في ديناميكيات الصناعة التكنولوجية، ويعكس قدرة الشركات الصينية على تجاوز العقبات التقنية والتجارية، بل وتحويلها إلى فرص للنمو والابتكار. في المقابل، يبدو أن شركات غربية مثل "أبل" باتت بحاجة لإعادة تقييم استراتيجياتها في الأسواق الناشئة، بما في ذلك الصين، إن أرادت الحفاظ على مكانتها العالمية.
المعركة التكنولوجية مستمرة، لكن الميدان بدأ يميل لصالح من يراهن على التطوير المحلي والاستقلال التقني، وهواوي اليوم تقود هذا الاتجاه بثقة متزايدة.